29 - 06 - 2024

إيقاع مختلف | واهم من يظن

إيقاع مختلف | واهم من يظن

(أرشيف المشهد)

22-12-2011 | 19:40

مصر كلها مدينة لفتاة ميدان التحرير بالاعتذار، نعم ليس المجلس العسكرى وحده هو المدين لها ولكل النساء المصريات بالاعتذار، بل ونحن أيضا جميعا مدينون لها بالاعتذار، من تطاول عليها مدين لها بالاعتذار، ومن استغل اسمها وصورتها لتحقيق هدف -ولو كان نبيلا- مدين لها بالاعتذار، من جعل من صورها مادة لنجاح إعلامى مدين لها بالاعتذار، ومن رفع الصورة لتحقيق مطلب سياسى مدين لها بالاعتذار، ومن وجد أن إلقاءها بأحجار تستر مواقفه المتخاذلة وتريح (ضميره) مدين لها بالاعتذار، وأنا حين أكتب عنها الآن مدين لها بالاعتذار، فليتها تقبل اعتذارنا جميعا وهى التى آثرت أن تحتفظ باسمها وصفتها وتلعق جراحها فى هدوء، لذلك فإنى سأتوقف عن الحديث عنها ولكن بعد أن أقول لها يكفيك أن صرت رمزا انتفضت من أجله نساء مصر ليقلن بصوت عال: نساء مصر وكرامتهن هو الخط الأحمر الأول الذى يسبق الخطوط كافة، وهى الحقيقة التى لا أشك فى أن كل رجال مصر يحمونها بمصريتهم وبإنسانيتهم وبرجولتهم أيضا.

أتوقف إذن عن الحديث عن الفتاة وأتحدث عن جوهر المأزق الذى تمر به مصر اليوم، فحين تتفاعل الأحداث على النحو الذى تتفاعل به الآن فى ميدان التحرير بل على النحو الذى تتفاعل به فى كل بيت مصرى الآن، فإن أهم ما أتوقف أنا أمامه بشكل شخصى هو هذا الوهم الذى يسكن بعض الواهمين، والذى مؤداه أن هناك انقساما فى صفوف الشعب المصرى، وأن هذا الانقسام يمكن أن يقود إلى لون من الدعم للعسكريين أو المطالبة ببقائهم على رأس السلطة فى مصر وكأنهم يستعدون الشعب المصرى على الثورة والثوار.

هو وهم أعمق من أن يصدق وأكثر سذاجة من أن يقبله العقل المصرى، نعم قد لا يتفق البعض مع مطالب المعتصمين عند مجلس الوزراء، وقد يتفق معهم البعض ولكن يرى أن الظرف لم يكن مناسبا لاتخاذ هذا الموقف أو اتخاذه على هذا النحو، ويقينا لا يتفق إنسان أيا من كان مع فكرة حرق أية مؤسسة مصرية فضلا عن أن تكون مجمعا علميا يمسك بخيوط أثرية وخيوط علمية وخيوط قانونية وسياسية عميقة الأثر، لكن حذار من أن يظن أحد أن هذا الاختلاف موجه ضد الثورة والثائرين، حذار من أن يتوهم أحد أنه يعنى تخلى المصريين عن ثورتهم أو ترحمهم على زمن المخلوع، أو حتى انحيازهم إلى جانب المجلس العسكرى فى مواجهة الثورة والشارع.

 يا سادة الشعب المصرى ماض فى طريق ثورته مكمل لها حتى النهاية فلا تتصوروا أبدا أنه يمكن أن يقبل بسرقتها عسكريا أو حتى دينيا.

 فإذا ما رأيتم هذا الشعب عاتبا على الثوار فلا تظنوا أنه غاضب على الثورة وإذا رأيتم هذا الشعب مرهقا بلقمة عيشه التى يسعى لأن يفى بها لأسرته الصغيرة فلا تتصوروا أن هذه اللقمة يمكن أن تصبح اللجام الذى تقودونه به إلى التخلى عن ثورته وإذا رأيتم هذا الشعب يمهل القائمين على الأمور لبعض الوقت ليفوا بما قطعوه على أنفسهم تجنبا لصدام يخسر فيه الجميع فلا تظنوه قد انحاز إلى صفهم.

لا تعتمدوا كثيرا على غضب الشعب فهو غاضب من أجل مصر ومن أجل ثورتها ومن أجل كرامتها وليس غاضبا على مصر ولا على ثورتها ولا على المنادين بكرامتها، فلا فكرة (الطرف الخفى) ستقنعه، ولا فكرة دس المندسين سترهبه، ولا لقمة عيشه ستمنعه من أن يمضى بثورته إلى غايتها، هو يريد إجابات عن أسئلة البناء والتقدم ودفع عجلة الاقتصاد المصرى نعم، لكنه أبدا لا يريد هذه الإجابات بديلا عن إجابة سؤال الحرية.

هذا شعب لن تفلح محاولات رشوته ولا محاولات تخويفه من المضى قدما فى طريق ثورته، الكل أصبح واعيا بأن من يعوقون الثورة عن الوصول إلى غايتها هم من يوقفون عجلة الإنتاج ومسيرة الاقتصاد، وليست الثورة ذاتها، وأن الضمانة الحقيقية لأن يتحقق التقدم على كل مستوياته هو نجاح الثورة وتحقيقها لأهدافها كافة.

لا نريد مجتمعا فقيرا نعم، لكننا أيضا لا نريد مجتمعا غنيا يسكنه الفقراء، نريد مجتمعا كريما نعم، لكننا نريد الكرامة التى تشمل أبناءه كلهم، نريد مجتمعا مستقرا نعم، لكننا نريده استقرارا قائما على التنوع والاستنارة والحرية لا على القهر وسيادة الصوت الواحد حتى لو تصور أصحابه أنه صوت (المصلحة) أو (الصالح العام).

 نريد تماسكا لا فرقة ولا صداما نعم، لكننا لا نريده تماسك الصفقات المريبة المشبوهة التى تفوح رائحتها لتزكم الأنوف، نريد للشعب أن يقول كلمته وأن يصغى الجميع لكلمته نعم، لكننا لا نريد لهذه الكلمة أن تأتى مزيفة أو مضللة. 

باختصار أيها السادة الشعب قالها واضحة: لقد ثرنا من أجل الحرية وليس من أجل استبدال الآلهة ولا من أجل شروط أفضل للاستعباد.

مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة





اعلان